نقل وغرس الأعضاء البشرية من منظور الشريعة الإسلامية

الدكتورة: شهرزاد مبعوج عزوزة

جمعة الجزائر -1–

التلخيص:

إنّ عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية من النوازل الفقهية المعاصرة التي أحاطها الفقهاء والباحثون بعناية خاصة بعد أن شدّت انتباههم منذ سنوات؛ لأنّ موضوعها جسد الإنسان على كرامته، واستطاعوا بلورة النظر الفقهي فيها رغم تشعب أطرافها، وكثرة صورها وأشكالها، ورغم اتجاه المجامع الفقهية ومنذ سنوات إلى القول بجواز هذه العمليات بضوابطها الشرعية بناء على الدراسات والأبحاث العلمية التي وضعها أهل الصنعة والاختصاص من أطباء وباحثين، غير أنّ انتشار فتاوى عدم الجواز لبعض العلماء، ثم التسويق لها إعلاميا جعل النّاس يتهيبون من التبرع حال حياتهم أو بعد موتهم، خاصة وأنّ هذه الأعضاء صارت محل لتجارة رائجة في أسواق سوداء تسيطر عليها منظمات دولية موازية، ومافيا سرقة الأعضاء البشرية، الأمر الذي جعل إعادة إبراز هذا الموضوع على درجة من الأهمية، مع التركيز على الأدلة، وإظهار الضوابط الشرعية التي ضبط بها العلماء هذه العمليات للحيلولة دون اتخاذ أعضاء جسد الإنسان سلعة خاضعة للعرض والطلب.

 

مقدمة:

 تعتبر عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية من النوازل الفقهية المعاصرة، والتي أفرزها التطور الكبير في مجال العمليات الجراحية قصد الحفاظ على حياة الناس، أو التخفيف من آلامهم ومعاناتهم. فعمليات نقل وغرس الأعضاء يلجأ إليها الأطباء بعد تعذر الشفاء واستعصاء المرض، فهي بمثابة آخر الحلول ومحط آمال المرضى، ولما كانت الشريعة الإسلامية رحمة كلّها كان فيها من التيسير والتسهيل ورفع الحرج عن الناس ما يعزز هذه المسألة، خاصة وأنّ هذه المسألة متعلقة بحفظ النّفس الذي هو كلية من الكليات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لحفظها.

ورغم أنّ عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية من النوازل والقضايا الاجتهادية المعاصرة المتشعبة الأطراف، المتنوعة في صورها وأشكالها، استطاع الفقهاء والباحثون بلورة النظر الفقهي فيها، واحتوائها بكلّ جوانبها وتفصيلاتها، وذلك بناء على الأبحاث الطبية المختلفة، وآراء أهل التخصص وأصحاب الصنعة من أطباء وباحثين، وعن طريق الموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر في مآلات هذه العمليات.

تكمن أهمية موضوع نقل وغرس الأعضاء البشرية في الإشكالات التي تطرحها هذه العمليات الجراحية، والتي موضوعها أولا الإنسان الذي كرّمه الله تعالى، ثم جسده الذي يعتبر ملكية خاصة لله تعالى وفي آن واحد تحوّل طرق الانتفاع من هذه الأعضاء من الاحسان والإيثار والتبرع إلى تجارة دولية تُمارس في أسواق سوداء صار فيها بعض الأطباء إلى جزارين يتعاملون مع أعضاء جسد الإنسان على أنّها قطع غيار حسب الطلب، وأصبحت تلك الأسواق السوداء خاضعة لمنظمات دولية موازية، ومافيا "سرقة أعضاء الإنسان"، الأمر الذي استدعى وضع دراسات على المستوى الشرعي والقانوني خاصة؛ وذلك للتصدي لتلك الممارسات اللاإنسانية.

 

إنّ التبرع عموما من المعاملات التي رغّب فيها الشارع عز وجل، واعتبرتها الشريعة الإسلامية من القربات، غير أنّ كون المتبرّع به أعضاء جسد الإنسان كان للشريعة الإسلامية موقفا صارما تباينت فيه آراء العلماء بين موسعٍ ومضيّقٍ، من ذلك تبرز لنا الإشكالية التالية:

ما موقف علماء الشريعة الإسلامية من عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية؟ وما هي أدلتهم الشرعية على ذلك؟

وللإجابة على ما طرحته الإشكالية جاءت هذه الدراسة وفق الأهداف التالية:

  1. ضبط مواقف العلماء من عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية.
  2. الوقوف على الأدلة الشرعية التي اعتمدوا عليها في تأصيلهم الشرعي لهذه العمليات.
  3. الوقوف على الضوابط الشرعية التي من شأنها الحفاظ على جسد الإنسان وكرامته، والحيلولة دون اتخاذ أعضائه سلعة تخضع للعرض والطلب.
  4. محاولة الترجيح بين أقوال العلماء بناء على قوة الأدلة المعتمد عليها.

 

وللعمل على ذلك وضعتُ الخطة التالية:

المبحث الأول: ضبطتُ فيه المصطلحات والمفاهيم كمعنى الغرس والزرع والأعضاء البشرية، وأيضا حقيقة الموت والموت الدماغي، ووقفتُ على عناصر عملية نقل وغرس الأعضاء البشرية ومراحلها.

أمّا المبحث الثاني: فقد ضمّنته موقف علماء الشريعة من عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية وأدلتهم الشرعية، وحاولت الترجيح بين الآراء، ثم وقفت على الأعضاء المُسْتَثْناة من الجواز.

وختمت هذه الدراسة بعدد من النتائج والتوصيات.  

 

النتائج:

أفرزت هذه الدراسة المتواضعة جملة من النتائج، من أهمها:

  1. رغم أنّ عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية من النوازل الفقهية المعاصرة المتنوعة في صورها وأشكالها، إلاّ أنّ علماء الشريعة والباحثين استطاعوا بلورة النظر الفقهي فيها وإيجاد أحكام خاصة بكل صورة.
  2. إنّ لفظ "الزرع" الذي انتشر في الأوساط العلمية والقانونية لا يتناسب لغة ومفهوم زرع الأعضاء البشرية؛ لذلك رأيتُ الأنسب لغة هو لفظ "الغرس" غرس الأعضاء البشرية.
  3. إنّ عملية نقل وغرس الأعضاء البشرية في حقيقتها مجموع ثلاث عمليات جراحية، تتفاوت فيها نسبة المخاطر على المتبرعين من عملية إلى أخرى، هذا ما جعل بعض العلماء يتهيبون من القول بجوازها.
  4. إنّ عدم وقوف الفقهاء المتقدمون على مفهوم دقيق للحظة الوفاة أفرز خلافا بين الفقهاء والباحثين حول الموت الدماغي وحكم رفع أجهزة الانعاش، غير أنّ معظم العلماء والباحثين قالوا بالجواز بضوابط شرعية.
  5. تكلم الفقهاء المتقدمون على ما يشبه عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية كأكل ميتة الآدمي وشق بطن الميت لاستخراج جوهرة الغير إذا ابتلعها الميت، غير أنّهم اختلفوا في جواز ذلك.
  6. اتجهت المجامع الفقهية، وكثير من الفتاوى الفردية إلى القول بجواز التبرع بالأعضاء البشرية بضوابط شرعية سواء كان من حي أو ميت، واعتبروا ذلك من الإحسان والإيثار والصدقات الجارية، كما اتفقت كلمتهم على عدم جواز بيع الأعضاء البشرية.
  7. تنوعت أدلة القائلين بجواز عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية بين أدلة من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة، والتخريج على أقوال بعض العلماء، غير أن أقوى أدلتهم كانت القواعد الفقهية الخاصة بالضرورات، والموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر في المآلات.
  8. احتدم الخلاف بين علماء الشريعة في حالة النقل من حي إلى حي وذلك للمخاطر المحققة، خاصة في جانب المتبرع، وأيضا لمآلات عمليات نقل وغرس، وما قد تفتحه من طرق للإفساد والاعتداء على جسد الآدمي، غير أنّ من أجاز هذه العمليات لم يقل بالجواز مطلقا، بل ضبطه بضوابط شرعية من شأنها المحافظة على المتبرع والمستقبل.
  9. إنّ الخلاف القائم بين القائلين بجواز عمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية وبين القائلين بعدم الجواز في حالة النقل من حي إلى حي خلاف معتبر، إذ لكل فريق أدلته القوية، ممّا يصعب الترجيح بين الرأيين، غير أنّ اتجاه المجامع الفقهية وفتاوى فردية كثيرة إلى القول بالجواز يزرع الطمأنينة في النفس لمثل هذه العمليات.
  10. استثنى علماء الشريعة بعض الأعضاء البشرية من جواز التبرع بها، وهي الغدد التناسلية (المبيض والخصية)؛ لأنّها واسطة لنقل الصفات الوراثية، ومنه اختلاط الأنساب، كما استثنوا من الأعضاء التناسلية العورات المغلظة (المهبل والقضيب)؛ لأنّهما أعضاء استمتاع، أضف إلى ذلك أنّ لمس هذه الأعضاء والنظر محرّم شرعا سواء كانت أعضاء لحي أو لميت.

 

التوصيات:

وبناء على ما سبق نوصي بما يلي:

  1. وضع هيئة تنفيذية تحكم عمليات التبرع تحت اشراف مؤسسات الدولة، ووفق قانون مفصّل مع رقمنة كل مراحل هذه العمليات؛ لإضفاء الشفافية والوضوح والوقوف على البيانات الصحيحة، وهذا في حد ذاته باعث للطمأنينة في نفوس المتبرعين أو ورثتهم.
  2. وضع هيئة استشارية مكونة من أهل الاختصاص: الشرعي (الفقهي)، القانوني، والطبي لمواكبة كلّ القضايا المستجدة والمتعلقة بعمليات نقل وغرس الأعضاء البشرية.
  3. ضرورة الاستعانة بأهل التخصص لضبط المصطلحات والمفاهيم، والتأكد من النقل والترجمة الدقيقة للمصطلحات، خاصة وأنّ اللغة العربية غنية تستوعب جميع اللّغات الأخرى.
  4. التنسيق مع وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروء –وحتى وسائط التواصل الاجتماعي- والتنبيه إلى ضرورة توعية النّاس إلى بأهمية التبرع خاصة بأعضاء الموتى، وتحسيسهم بقدر معاناة المحرومين من تلك الأعضاء.